الكاتبة : ليلى الاحمدي .
بقاؤك واقفةٌ على الشباك طويلًا يعني أنك تزورين المسرح القديم وتتبدى لك الشوارع والأزقة التي مرت بها طيوفٌ لم تعد حولك، وبعضهم لم يعودوا حول أحد ، هذا الشباك الفخم المطل على حديقةٍ غناء لم يستطع الاحتفاظ ببصرك الذي ارتحل مع ذكرياتك.
ومن ترين هنا؟، شمس الدين الذي يسقي المزروعات المدللة ، ويدندن بأغنيةٍ سريعة اللحن؟ ، ومسعود الذي يغسل العربات الفاخرة بوجهه المستطيل لطول وجومه؟ ، والعم صبحي الذي يلقى بجثته الضخمة على الكرسي المواجه للبوابة ويحتسي مشروبه المشوب بالحلبة ويتجشأ بسعادة بعد وجبة ملغمة؟ .
وتطيلين الجلوس في تلك الشرفة ثم وحين تغرب الشمس، تسدلين ستار الواقع وتعودين إلى حجرتك.
هكذا كانت تعاتب نفسها كلما أمضت جل نهارها في الشرفة التي تعتبرها مسرحًا، تفتح ستائره لتشاهد مسرحيتها المملة، ثم ماذا؟ تسأل نفسها، وتظل الإجابة زفرة تنهي بها حوارها الداخلي.
ينتصف الليل وهي تتناول الشاي في صالة ممردة، لجدرانها لون النحاس المصقول، ولأرضيتها بريق الرخام الوردي، أزيحت الستائر المخملية عن ثلاث واجهاتٍ تطل على الحديقة، والتي بدت تحت أضواء الأعمدة كلوحةٍ زيتيةٍ عتيقة، ولولا توقف خرير الماء في النافورة الضخمة، لما فطنت إلى أنها الثانية عشرة ليلًا، وهذا موعد إيقاف النافورة وإطفاء بعض الإضاءة.
بخطوات رتيبة تقدمت مايدا وقالت : هل تحتاجين شيئًا قبل أن أخلد إلى النوم سيدتي؟
سخني لي طعام العشاء الذي لم أتناوله واجلبيه إلى غرفتي.
وصعدت بخطوات كسلى تسمع وقع خطاها على السلم الملتوِ فتأنس به، بدلت ملابسها وتناولت هاتفها واستقبلت المسرح الذي أسدلت ستاره قبل ساعات، وفي دقائق كان العشاء أمامها ، بدأت تأكل وعينيها على المسرح المظلم ، لم يكن كذلك بالنسبة لها فقد أطلت منه الحكايا، فتارةً تبتسم وتارةً تتجهم ، وبينما هي كذلك إذ رن هاتفها ، لم ترد فهي تلك الصديقة التي تصر على قطع عزلتها بثرثرتها ، وبعد أن حملت الخادمة الطعام، نهضت واستعدت للنوم، بعد خروجها من الحمام ارتدت بيجاما حريرية تشعر بنعومتها تحتضن جسدها وتربت عليها، وفي سريرها جلست تتصفح هاتفها ، وبين أكوام الرسائل، التي ستمسحها ككل ليلة، هناك رسالةٌ تمد عنقها وتتوسل إليها لتقراها، (تبًا لك) ، قرأتها وشعرت بأنها في صحراء موحشة، وحولها جبالٌ مرعبة ، والسماء تمطر أشواكًا، ألقت بالهاتف بعيدًا.
الطفلة تتسلق (الدرابزين) لتنزلق عليه وتصدر ضحكة مدوية وتتلقفها أمها فتدور بها معانقة لها، كم يروق لها فعل ذلك قبل الصعود إلى شقتهم في الدور الثاني ، تحمل حقيبتها الوردية وتتبع أمها صعودًا، رائحة الطعام تستقبلهما ونظرات الجدة التي جلست وأمامها قدر الملوخية وصحن الرز وخضروات مصفوفة بعناية :
هيا يا زينب هاتي ابنتك وتعالى قبل أن يبرد الطعام.
البيت الصغير بغرفتيه يضم الأمَّيْن وصباح وذلك الطفل الصامت بدر.
هذا هو المشهد الذي تغمض عليه عينيها كل ليلة.
ثم وحين تستيقظ في ساعات الصباح المتأخرة، وتشرع عينيها على سقف الغرفة تقرأ عليه الرسالة التي ألقت بهاتفها بسببها ( تبًا لك).
مليئة بالسكينة روحها مذ ألقت به في مزبلة الماضي، ينغص هذه السكينة بعض الذكريات المرة ، وهذه الرسائل التي يرسلها من أرقامٍ مختلفة، كلما حظرت رقمًا جاء بآخر .
على سجادتها ألقت المتبقي من الشوائب ، ونهضت خفيفة، ارتدت ملابسها وأخذت مفتاح سيارتها وهبطت السلم بمرح ، اتجهت إلى المقهى المفضل لديها، مقهىً عتيقٍ يطل على البحر، مايميزه هو الهدوء فقط ، أما قهوته فلافرق بينها وبين القهوة التي تصنعها لها مايدا.
تضع السماعات في أذنيها وتستمع إلى أغنية وتدندن معها وترسل بصرها إلى الأفق الازرق.، لفت نظرها وجود امرأة في الطاولة المقابلة لها، تسترق النظر إليها.
يتبع.
_______________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة أدناه تفضلوا بالمتابعة :
تويتر : Tweets by shababeks_1
سناب شات : https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
انستقرام: https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك : https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار تفضلوا بزيارة موقعنا : http://www.shababeks.com