الكاتبة : موزة المعمرية – سلطنة عمان .
ذات يومٍ كنتُ في حافلة المدرسة المُنطلقة بنا إليها، وعلى رصيف الشارع العام، رأيت أخي المُتوفى يقف هناك مُرتديًا دشداشةً بيضاء، وكان وسيماً جداً ومبتسماً لي, ظللت أنظر إليه حتى تجاوزته الحافلة, أخبرت الفتيات أني رأيت أخي، فاستغربن الأمر بذهول، لأنهن يعرفن بأن أخي قد توفي منذ أشهرٍ مضت، حدثٌ غريب, ولكنه حدث لي ولم أكن لأعرف كيفية تفسيره”.
وذات يومٍ أيضاً كنت أمشي في فترة “الفُسحَة” على رمال المدرسة وفجأة، لم أعد أقوى على التنفس, كان الأمر صعباً جداً علي, أردت الاستنجاد بإحدى الفتيات ولكن لم يفهمني أحد، لأني لم أكن أقوى حتى على الحديث, ثم عاد نفسي لطبيعته كما كان, كان هذا الأمر غريباً جداً علي، وأنا فتاةٌ صغيرةٌ لا تفقه شيئًا مما يحدث لها أو حولها.
في المدرسة الثانوية، وفي مدرسة أم جعفر الطيَّار، رأيت ثلاث شُبَّان وسيمين جداً، وبيض البشرة, ويرتدون “دشاديش” بيضاء وعمائهم بيضاء أيضاً, كانوا ينظرون لي وهم مبتسمين بهدوءٍ وصمت, قال أحدهم: “ليست هي, هيَّا لنذهب”، أخبرت الفتيات بسرعةٍ عنهم فنظرن للجهة التي أشرت لهن عليها فلم يرين الشباب الثلاثة, استغربن أمري وما يحدث لي, وقلن لي: لا تتخيلي.
حين كنت في الصف الثالث الثانوي؛ فجأة وأنا أُتحدث مع المعلمة في فترة الاختبار التجريبي؛ تغيرت نبرة صوتي لصوتٍ خشن، وكأن شيءٌ ما قد تَلَبَسَنِي لا أعلم, حتى الفتيات في الصف أخذن ينظرن لي باستغراب, وبعد الاختبار أخبرتني صديقتي بأن نبرة صوتي قد تغيرت، ولم يكن صوتي المُعتاد.
ربما لن يُصدقني أحدٌ منكم, ولكن ما سأسرده الآن هي أحداثٌ حقيقيةٍ واقعيةٍ حدثت معي بالفعل وكان أحدها أني رأيت امرأة كالطيف الأسود في صغري في منزلنا, طيف هذه المرأة يختفي بسرعةٍ فور رؤيتي لها, وتتخذ ذات الوقفة دائماً، يديها مضمومتين أمامها وكلها سواد، لا يبين منها شيء, لا ملامح وجه ولا غيره, وهي ترتدي السواد دوماً.
بعد وفاة والدي العزيز حدث لي شيءٌ غريب، لم أستطع تفسيره, شعرت بأنَّ روحه بداخلي, وكأنه تجسَّد في جسدي, واستطعتُ أن أرى ما كان يرى, في يومٍ من الأيام عاد طيف المرأة للظهور، عندما كنت أبكي أبي بشدة، ثم اختفت فجأة, دائماً طيف هذه المرأة لا يُغادرنا, ولا أعرف لماذا, أو ماذا تُريد منا؟!
لا أعرف لماذا كان أبي يقول لي ما كان يقوله: “سأذهب عنكم وستبكوني” “الإنسان يعيش وحيدًا, ويموت وحيدًا”، “اعتنوا بأمكم”، “أنا أنام كثيراً الآن, لم يحدث لي ذلك من قبل”، “لا أعرف لماذا قال ذلك”؟، “ولماذا لم أنتبه لما قاله؟”، “ولماذا تذكرت كل شيءٍ بعد موته”؟
كل تلك الأسئلة وغيرها كانت تدور في ذهني آنذاك، عند شلل حركتي، وغيابي في ملكوت فِكرِي, كُنت بين العالمين الغريبين, عالم الأحياء والأموات معاً, لم يكن لأحدٍ من حولي أن يفهم ماهية حالتي، أو أن أفهم أنا ذلك, كم أشعر بالأسى!, كان عليَّ أن أنتبه لكل شيء، ولم أفعل, هو الآن ينتظرني في عالمه الآخر وأنا أعلم ذلك, سأذهب إليه يوماً ما, يومٌ قد لا يكون بعيد.
ذات يومٍ عند أداء صلاة قيام الليل رأيت أبي يُصلي مع أمي, لم يكن يتضح من معالم وجهه شيء، لأنه كان يرتدي رداءً أبيض، كبيرًا جداً كان يُغطي وجهه, ولكنه كان يُقيم الليل مع أمي, هو لم يكن موجودًا ولكني رأيت انعكاسه في شاشة التلفاز الكبيرة, كان يقف معها ويركع ويسجد معها.
وذات يومٍ رأيت طيفه كالنور وقد اختفى فيما بعد.
لا زلت في داخلي أرتعش كتلك اللحظة التي سمعت فيها بأن والدي قد تُوفي, هذه الانتفاضة لم تُغادرني, هناك شيءٌ غريبٌ أشعر به يحدث في داخلي, وكأن روحٌ أخرى باتت تُشاطرني روحي.
لا زال ذات البُكاء وذات الفتاة التي ترتجف فور سماعها لموت والدها بداخلي, أشعر بأني مِتُّ في ذاك اليوم ورحلتُ معه, أمَّا هذه الفتاة فلا أعرفها!
أشعر أحياناً بتعرُّقٍ غريبٍ ونحن الآن في هذا الفصل من السنة, لم أكن كذلك مُسبقاً, أتعرَّق كثيراً, أشعر بسخونةٍ في جسدي أحياناً, وببرودةٍ أحيانًا أخرى, أمرٌ غريب مُريب, أرواح الأموات كذلك لا تُغادرني, جميعهم يأتوني في منامي دون استثناء!.
كل هذا كان يحدث فقط في مُخيلة فتاة لم تستيقظ بعد من غفوة الموتة الصُّغرى .
________________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة أدناه
تويتر : Tweets by shababeks_1
سناب شات : https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
انستقرام: https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك : https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار تفضلوا بزيارة موقعنا : http://www.shababeks.com