الكاتبة : شوق محمد .
يقولون لنا دائماً (إذا كبرتم ستفهمون) وها نحن الآن كبرنا، وكلما استرجعنا الذكريات وبدأنا بتحليلها فسرنا كل شيء ، النظرة والزفرة والهمسة ، كم من طيبٍ كنا نحسبهُ كذلك ؛ كبرنا وعرفنا أنهُ مجرّد مُدعٍ، وكم من شديد غاضب كنا نخافه، كبرنا وعرفنا أنهُ مُحب ٌ صادق ، وبعض الأمور ليتنا لم نفهمها لأنها تؤلم .
كُنا أطفالاً لا ندرك عمق المشاعر أبداً ، كم من سؤالٍ سألناه نكأنا بهِ جُرحاً ونحن لا ندري.
أتذكر عندما كنت طفلةً صغيرة كنت أقف أمام بابها المفتوح دائماً ، وأسألها :
أين أطفالك؟ ألا يلعبون معنا ؟!
كانت تجيبني بابتسامة ، وتربت على رأسي وتضحك ، يداها حوَتَا كُلَّ حَنَان الأمهات ، أراها دائماً تجلسُ أمام النافذة تخيطُ جيبَ وحدتها في الزاوية ، تلمُّ ثقوب الفراغ بيديها الدافئتين، يديها اللتين دأبتا على إصلاح كل شيء ، يديها اللتين ترْبِتا على رؤوس الأطفال ، وتلمسا ضفائر الفتيات الصغيرات، تتأملهن بعطف اَلْأُمّ التي لم تصبح يوماً أماً، ولازلتُ رغم الضبابية أتذكر وجهها الوضاء وابتسامتها التي لا تفارقها أبدا ، اعتادت أن تبتسمُ لكل شيء ، ولو أن الحُزن والحِرمان تجسدَا في ثياب رجل ووقف أمامها لرمقتهُ بنفس الرضى والتسليم وابتسمت .
مرّت السنون أدركت أنها لا تنجب ، وعلمت أنها كانت تفتح بابها دائماً لندخل بيتها ونلعب ، وابتسامتها لم تكن إلا وسيلةً اتخذتها لتدفن كل هذا الألم ، ورغم ذلك كانت أكثر أهل الأرض ابتسامًا، وكانت أكثرهُن أمومةً حتى وإن لم تُنجب ، أُماً للورد الذي تسقيه في حديقتها ، أُماً للقطط التي تتبعها أينما ذهبت ، أماً لأطفال الحي، وأمي.
ولا أدري حقيقةً كيفَ للمرء أن يستوعب آلام الناس ويتفاعل معها، وكيف أن مقياس الصبر والجزع متفاوت بين البشر، هناك من إذا شاكتهُ شوكة، تظلّم واشتكى وتقمص شخصية الضحية بجدارة ، وبالمقابل هناك من هو رغم كل المصائب والابتلاءات ، صابرٌ متصالح مع نفسهِ والقدر ، كريم نفس حتى وإن فتت الحرمان، أضلاعهُ لآثر الناس على نفسهِ وأعطى ، وتِلك هِيَ صِبغةُ أهل الجنة .
الحياة دائبةٌ على النقص وهذه سِمةٌ ملازمةٌ لها، والرضى والإيمان ركيزتَيْ السعادة الأساسية، فالسعادة الحقيقية ليست بحجم الثروة وعدد الأولاد والأحفاد، وعدد الأختام في جواز السفر وكمية الماديات المحيطة بالإنسان، بل إن السعادة شعورٌ نابعٌ من الداخل وهو خيار متاح للإنسان، رغم آلامه يأتِ بعد الرضى والتسليم بأن أمر المؤمن كلهُ خير .
وما هؤلاء بيننا إلا( رُسلاً ) يذكرونا بالله في صبرهم واحتسابهم، اللهم اشفع لنا بتأملنا قصصهم وصدق شعورنا تجاههم .
________________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة ادناه تفضلوا بالمتابعة :
تويتر :
سناب شات :
https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
انستقرام:
https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك :
https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار المنوعة الدخول : http://www.shababeks.com