د. غادة ناجي طنطاوي. Ghada_tantawi@.
أخذت حياتي منحى آخر عندما بلغت الثالثة عشر، مع رواية (الثلاثية) لنجيب محفوظ، التي قلبت موازين الفكر لدي، وخلقت في داخلي صراعًا دام زمنًا طويلًا حتى أكسر قاعدة الموروثات الإجتماعية الأزلية لمجتمعاتنا العربية المتناقضة التي خيَّمَت على أحداث الرواية منذ أول مشهد.
أثارت شخصية (السيد أحمد عبد الجواد) غضبي على المجتمع العربي عامةً والتقاليد العربية خاصةً، شخصٌ خَيَّر وطني متدين لكنه زنديق، اعتنق الجور والقسوة واتخذ الظلم مذهبًا مارسه على أفراد عائلته. حتى (أم حنفي) الطباخة لم تسلم من لسانه..!! صاحب وكالة لبيع الأطعمة الغذائية نهارًا ومغني راقص بارع مع الغانيات ليلًا، وبسبب أحمد عبد الجواد، تمنيت أن لا أرتبط أبدًا برجلٍ عربي يشبهه، فلا طاقة لي على ارتداء قناعه مدى الحياة.
وعلى النقيض أتت شخصية أقرب أصدقائه (السيد محمد عفت) الذي حفر في مخيلتي صورةً جميلة عن الرجل العربي الصالح، المواطن الأصيل والصديق المخلص الذي حافظ على صديقه بالرغم من طلاق ابنته من ياسين عبد الجواد. وعلى الرغم من أنه انتهج سلوك عبد الجواد ليلًا مع الغواني، إلا أنه كان زوجًا معتدلًا في بيته وأبًا صالحًا ولربما كان السيد عفت رمزًا للوسطية بجانب عائلة شوكت باشا التي صاهرت عبدالجواد لاحقًا.
ولا أستطيع أن أنسى تأثير (تيزة شكرية) علي كطفلة..!! لطالما حلمت بأن أكون مثلها، فهي سيدة محترمة، لها ثقلها الاجتماعي، اشتهرت بتأثيرها القوي الإيجابي على كل من حولها حتى يأخذ الحق مجراه في الشدائد، لكن في المقابل عززت في داخلي كرهي للمجتمع العربي مرةً أخرى..!! لأن (تيزة شكرية) ترجع لأصولٍ تركية، ولو كانت عربية لظهرت بمظهر الزوجة المغلوبة على أمرها.
وكانت الرسالة لي واضحةً جلية، متى استسلمت لواقعٍ تفرضه العادات وتتحكم فيه التقاليد بدون منطقية سأصبح نسخةً طبق الأصل من أمينة، زوجة أحمد عبدالجواد، في حين لو أني حاربت وناضلت في سبيل تأسيس جيلًا أفضل، ستكون لدي فرصة لأصبح شخصية مهمة تَصَدَّر اسمها قائمة فوربس العالمية.
وعلى الرغم من التناقضات المختلفة لشخصيات الرواية، إلا أني أعترف بأن حقبة الحَبَرة، اليَشمَك وعصر الباشاوات كانت حقبةٌ ساحرة لطفلةٍ مثلي..!! فقد تجلى جمالها في بساطة الناس، الأناقة المتحفظة والحفلات الراقية.
الزمن الجميل بجميع مراحله، من طفولة أولاد عيشة وخديجة، جموح مريم ابنة الجيران، التي انكسرت أحلامها عندما حُرِمَت من الزواج بفهمي، مراهقة الفتاة البريئة، الجميلة والحالمة التي جسدتها عيشة، قيم ومبادئ كمال، وطنية الشهيد فهمي وخفة دم ياسين الذي لم يكن آبهًا لأي مصيبة تحل على رأس ذاك المنزل في منطقة بين القصرين.
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة أدناه
تويتر : https://twitter.com/shababeks_1
سناب شات https://www.snapchat.com/add/shababeks_1
انستقرام: https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك : https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار تفضلوا بزيارة موقعنا : http://www.shababeks.com