المدَّاح وفتنة الدجال.

د. غادة ناجي طنطاوي. Ghada_tantawi@

ثلاثون يومًا مضت، عشنا معها أحداثًا وإرهاصات كثيرة مع مسلسل (المدَّاح) للفنان حمادة هلال.

مأساة شخص صالح، يخوض حربًا بشعة مع الجن، أتتنا على مراحلٍ متواترة. المرحلة الأولى تحكي بداية الخير فيه وظهور علامات الصلاح عليه، ومرحلةٌ ثانية تحكي عن إبتلاء عظيم في عقيدته، والمرحلة الأخيرة، خاتمة يتفوق فيها الإيمان المطلق على حكايةٍ حاك الشيطان أحداثها بكل براعة..!! أليست تلك أبرز معاناة خاضها الإنسان منذ، بدء الخليقة..؟؟

مراحلٌ أبرز سماتها معتقدات خاطئة، الجهل بالدين وتصديق الخرافات القديمة لأهل قريةٍ بسطاء، وفي نهاية الأمر ينتصر الخير دائمًا. وبين أحداث خيالية، تفوق مستوى العقل والمنطق تارةً، وتفتح لك بابًا خطيرة على أمورٍ غُيبت عنَّا تارةً أخرى، تتجلى حقيقة محزنة، مسكين إنسان هذا العصر..!! مهمش وجاهل بما يدور حوله أحيان، ومدرك لمدى خطورة موقفه أحيان أخرى..!! وبالرغم من جميع ما ذكرت، إلا أنه يختار الأسهل يتبع حدس الضلال فيه، ويطفئ نور الإيمان بقلبه متعمدًا. يختار أن يتبع بدعًا يصدقها، فهي أسهل الطرق لتصديق ما يخالف فطرته، يسعى جاهدًا لمنع رزق فلان، تغيير مصير فلان وإيذاء فلان، بما تجود به عليه حيل الشعوذة والدجاليين، عوضًا عن الإيمان بالقضاء والقدر، واليقين بأن القدر لا يرده سوى الدعاء.

أحداث المسلسل وإن كانت من وحي الخيال، إلا أنها تحكي واقعًا مريرًا أراه الآن..!! تفوق قوم بني آدم على عالم الجن بمراحل!! حتى أن الشيطان أصبح يصفق لهم إعجابًا بما صنعوا..!! لقد أحالوه على المعاش منذ فترةٍ طويلة، اشتروا تجارةً خاسرة مع الله، وتفننوا في إيذاء البشر وتدمير الأرض، عوضًا عن إعمارها، نسوا هويتهم الحقيقية وسبب وجودهم في الحياة. يسكنون فوق الأرض بأخلاقٍ وقناعات اندثرت تحت الأرض منذ عهد قابيل وهابيل..!! صورٌ مفزعة لإنسان هذا العصر، تجلت فيه أسوأ العادات، ماتت الرحمة في قلبه، وأصبح الخوف من الله عادة بالية باتت تحت ركام حقده، وضعف إيمانه..!! يتحدثون كثيرًا عن خوفهم من فتنة الدجال، يقرأون سورة الكهف كل جمعة، ويطلبون الله جهرًا بأن يقيهم شرها، والحقيقة المرة أنه يصول ويجول في أروقة ضمائرهم كل لحظة..!!

الكذب أصبح مجاملة، النفاق دبلوماسية، الغش في البيع شطارة، الإنتقام قوة شخصية، تسيد مبدأ الغاية تبرر الوسيلة في صورة السياسة، وغدت الزندقة مذهبًا يتبعه كل مثقفٍ محنك..!! وانتشر الرويبضة انتشار النار في الهشيم..!! كلها علامات واضحة لإقتراب يوم القيامة وظهور أعظم الفتن..!! طقوسٌ شيطانية تمارس في وضح النهار، والسعي الحثيث لنشر الطاقة السلبية أصبح ديدنًا يتبعه الجميع بلا استثناء..!!

أسألك يا الله يا واسع الفرج.. يا عالٍ بلا درج.. يا من شققت البحر لموسى حتى خرج، أن تلطف بأصحاب العقول النيرة، وترحم بعزتك كل مؤمنٍ صامد على عقيدتك الصحيحة، وتعيذنا من شر فتنة كل مداحٍ فينا وتقينا فتنة الدجال.