الكاتبة : ضحى المطيري .
كانت مكتبة جدها التي لم ترها إلا مراتٍ معدودة لأنه مكان ٌيمنع منعًا باتًا الأطفال من الدخول إليه.
كانت كذكرى وحلم في آنٍ واحد، لم تنسَ يومًا حجمها الضخم بالنسبة لطفلة مثلها لم تر َفي حياتها هذا الكمّ الهائل من الكتب حتى في مكتبة مدرستها !.
لم تعلم يومًا محتوى هذه الكتب، ولكن ما بقي عالقًا في ذاكرتها هو أنها كتب ذات هيبة، وهذه المكتبة ليست كأي مكتبة.
وصاحبها ليس كأي شخصٍ، فهو ممتلئ بما يُعجز فهمها، وهذا الشخص العاجز كان هي في نظرها.
مرّت أعوامٌ وأعوام، ودخلت الكثير من المكتبات، واقتنت بعض الكتب، والتي كانت تعاملها على أنها مقتنيات ثمينة بقيمتها الفكرية أكثر من قيمتها المادية، وهذه هي القيمة الحقيقية لأي شيءٍ ولأي شخص.
حتى جاء ذلك اليوم ودخلت تلك المكتبة الخاصة، كانت هذه المرة الثانية في حياتها التي ترى فيها مثل هذا المنظر المهيب.
لم تكن بضخامة مكتبة جدها العالقة في ذاكرتها، ولكنها كبيرة بما يكفي لتجعلها تصمت أمام هذه الهيبة لدقائق معدودة !.
هذه المرة مختلفة عن سابقتها فهي لا تسترق النظر من بعيد، بل هي أمام هذا الحسن الفتان، وتتأمل بكل ما أوتيت من قوة بصر، و وتعانق الكتب بمدّ النظر، وغير ممنوعة عن السؤال وعن التصفح إن أرادت ذلك.
بعد لحظات الصمت الساحرة، كان أول سؤال يتبادر إلى ذهنها : هل قرأت جميع هذه الكتب؟!.
وكان السؤال المبطن لذاك السؤال، هل عقلك بهذا الحجم، وهل صدرك برحابة مكتبتك، وهل علمك بهذا التنوع ؟!.
ردّ على هذا السؤال بشيءٍ من التفصيل، ولم يكتف بإجابة مختصرة بأن يقول نعم أو لا، وعلم أن الإجابة لن تشبع فضولها، وأنها سترد بسؤال آخر لو كانت هذه هي الإجابة.
فقال لها :
قرأت الكثير وأنهيته، و البعض ابتدأت به وما أكملته، فلم يكن يستحق من وقتي الكثير، وكتب أخرى أعود لها وقت الحاجة و أروي عطشي بما أحتاجه من تفصيل ؛ فهي مراجع لا غنى عنها، وزاد نتزود منه بمقدار، إن زاد أثقل علينا، لذلك نتردد عليه بين فينة وأخرى.
وكتب أتعامل معها كتعاملي مع أبنائي، لا تفارق عقلي وقلبي ، ولها جُلَّ وقتي، ولا أكتفي من الاستزادة منها.
نظرت للمكتبة نظرة طويلة بعد تلك الإجابة، وكأنها تحاول أن تستنج ماهي الكتب محل التقدير، وغيرها الملقى في الرف الأخير، والذي كان بالفعل لا يستحق ثمنه ولا جهده ولا المساحة التي خُصصت لأجله، و ينتظر الفرصة ليزيلها من هذا الرفّ لأنه لا يليق بمكتبة عظيمة، وأي الكتب أكثر تقديرًا.
مكانٌ أثقل رأسها بالتفكير، و أصبح الأثير.
ذكرى لا تفارق عقلها، وقلبها يشاركه المصير .
________________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة أدناه تفضلوا بالمتابعة :
تويتر :
سناب شات :
https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
انستقرام:
https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك :
https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار تفضلوا بزيارة موقعنا : http://www.shababeks.com