الكاتبة / ليلى الأحمدي.
استيقظت الدمية يصفر الهواء عبر تجويف رأسها الفارغ ، اتجهت فورًا إلى المرآة ، تتفحص وجهها وتزيل القناع الليلي عن بشرتها لتضع كريم النهار ، ثم تلف شعرها لتضع قناعه الذي يناسب صبغته الحمراء الفاقعة ، وضعت جسدها المنحوت على جهاز تسمير البشرة ، ظهرها يؤلمها جراء العملية الأخيرة ، فقد نجحت في نحت خصرها ليبدو أصغر بكثير ، وحقنت الدهون في اماكن أخرى ، وبدت كتمثال شمعي ، نهضت لتتفحص اللون الجديد ، وبعد الاستحمام لاحظت تساقط شعرها فصعقت واتصلت بطبيبها ليصف لها دواءًا آخر باهظ الثمن ، ارتدت ملابسها ووقفت تتأمل جسمها الجديد ، بدت راضية عنه إلا أن طولها يزعجها ، تذكرت ماقالته لها منسقة المظهر التي دفعت لها مبلغًا لابأس به :
ارتدي ثوبًا أقصر من المعتاد لتخففي من طولك ، ففعلت، أخذت حقيبتها التي اشترتها بنصف راتبها ، ووضعت أغراضها بها، غيرت تسريحتها فقد بدا شعرها خفيفًا من الجهة اليمنى، وضعت أحمر شفاه يناسب لون شعرها الجديد وارتدت عقدًا أخضر يناسب لباسها ، اكتشفت أن الرموش الصناعية نفدت من عندها ، فمرت الصيدلية لتشتريها وتضعها في السيارة ، مما تسبب في تأخرها عن الدوام.
حين وصلت واجهت المرآة المنصوبة على مكتبها ورسمت ابتسامة وتأملت وجهها من جميع الجهات ، حاولت إخفاء نتوءة في شفتيها بسبب إبرة “الفيلر “التي وعدتها الطبيبة بأنها ستزول بعد أيام ومع أنه قد مر شهران على وعدها ؛ إلا أنها مازالت تضايقها كلما ابتسمت، طلبت قهوتها الصباحية وبدأت تعمل لكنها كادت تصرخ حين اكتشفت أنها نسيت وضع طلاء الأظافر، فتمالكت نفسها بقوة، وأخرجت من حقيبتها لونًا بنفسجيًا وبدأت تضعه على أظافرها ، تنفست الصعداء بعد أن اكتمل مظهرها.
بعد الدوام كانت على موعد مع صديقتها للتسوق لسهرة الليلة، فهي تحتاج فستانًا جديدًا يظهر تفاصيل جسدها الذي تعبت في نحته ودفعت القرض كاملًا لتحصل عليه ويجب أن يراه الجميع ، جلست تنتطر صديقتها في مطعم مختص بالأطعمة منخفضة السعرات ، وجاءت تلك تعتلي حذاءًا طوله عشرة سنتيمترات ، فهي تعاني من قصر قامتها.
جلست تلهث وتناولت طعامها بحذر فقد جاءت للتو من عند طبيب الأسنان ، لقد لمعت أسنانها وغدت كاللؤلؤ .
امتلأ المركز التجاري بالدمى ، رائحة الماكياج غطت على العطور، الرؤس المددجة بالشعر المستعار ضاهت الأشجار، وألوانها تبرق تحت الأضواء ، يجلس الرجال ويتحدثون بحرية وتلقائية مرتدين ثيابًا بسيطة، وجوههم تتنفس شعورهم بلونها الطبيعي،بل إن بعضها أهذ لونه ورحل ، يتناولون طعامهم دون اكتراث ، وتلك الدمى تحمل أثقالًا من الدهون الموزعة في أجسادهن ، يتكسرن في أحذيتهن العالية ، يعدلن من هندامهن كلما مررن من باب متجرٍ لامع ، يعانين لإخفاء ألوان بشرتهن الحقيقي تحت الأصباغ ، اعتنين بمظهرهن حتي استنفدن أنفسهن أرواحهن عقولهن ، وبدَوْن كما يريد الآخرون تمامًا .
أين الخلل؟ لماذا يجب أن تبدو كاملة؟ ومن أجل من؟
متى أصبح الإنسان أداة تسلية لآخر؟ ومتى كانت سعادتنا والحكم على صلاحيتنا وأهميتنا ونجاحنا بأيدِ الآخرين؟ لماذا يجب أن نبحث عن مواطن رضاهم على حساب أنفسنا وعقولنا وأحلامنا واهتماماتنا الحقيقية؟
هل هو عصر الجواري؟
________________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة ادناه تفضلوا بالمتابعة :
تويتر :
سناب شات :
https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
انستقرام:
https://instagram.com/shababeks1?r=nametag
قناة شبابيك :
https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار المنوعة الدخول : http://www.shababeks.com