بقلم : حامد الظاهري .
من أساسيات المنطق ، أن الضدين لايلتقيان ، وقد نجد ذلك يحصل في أرض الواقع في صورة محيرة ، تدفع للتساؤل حينًا وللعجب حينًا آخرًا ، هذا ليس ضرب من أحلام اليقظة؛ ، بل سنرى سوياً ذلك ولكم القرار في الحكم.
كثيرون سمعوا عن تيار النسوية، وأكثر منهم تحدثوا عنها، البعض حذر منها في جوانبها الاجتماعية مثل الدكتور (ميسرة طاهر) ، وآخرون كشفوا عن بعض أهدافها مثل الأستاذة (كوثر الأربش) ، وجاءت الرسائل بالتحذير منها على اعتبار أنها من الفكر المتطرف.
لنضعها على طاولة التشريح ، كي ننظر إليها بتجرد وموضوعية ، ماقد يساعدنا على تلك النظرة ، ومما هو معلوم بدهياً، أن معرفة مصدر الفكرة عامل مهم لتقييمها أو كما قيل ، معرفة الشيء فرع عن تصوره ، وهذا يدفعنا إلى أن نعود إلى خمسة عقود مضت ، ونسأل أين ومتى وكيف نشأت ؟.
في فرنسا ولدت الحركة النسوية وهذا أمر لا أستغربه خصوصاً إذا علمنا أن ميلاد الكثير من النظريات والتيارات كان في فرنسا ، أما متى؟ فهو في الستينيات من القرن الماضي حين ظهرت بوادر الحركة بعد أحداث الثورة الاجتماعية التي قام بها طلاب وطالبات الجامعات وانضمت لهم النقابات العمالية فيما يُعرف بأحداث مايو١٩٦٨م.
أيعقل أن مظاهرات طلبة تؤدي إلى ذلك؟ ؛ نعم لِمَ لا، خصوصاً إذا علمنا أن هناك تيارات ولدت على طاولات المقاهي مثل “الداديَّة” فلا نتعجب من ميلاد حركة بعد ثورة طلابية ألم تولد “الرومانسية “بعد ثورتها على “الكلاسيكية” ؟هذا من جانب.
من جانب آخر امتد أثر هذه المظاهرات حتى السنغال، وهناك قامت مظاهرات طلابية موازية لما حدث في فرنسا ، لم يكن الأمر فقط بعداً فكرياً بل كان له آثاره الاقتصادية كما حصل مع ألمانيا أثناء أحداث مايو ١٩٦٨م وتحركات سياسية مثل الخطاب الُمرسل من إنجلترا إلى الرئيس الفرنسي (ديغول) تستنكر فيه مقاومته العنيفة في حق المتظاهرين ؛ وقد تحدث عن ذلك الجانب الدكتور (موريس فاز) من جامعة هارفرد في كتابه.
ذلك المشهد من الخارج كان له أبعاد في الداخل الفرنسي حين رأت الطالبات المشاركات في المظاهرات أنهن قدمن وضحين تمامًا مثل الطلبة على قدم المساواة، وساعد على ذلك مواءمة أفكار الأحداث الثورية المناهضة للرأسمالية مع ثورتهن ضد النظام الرأسمالي الذي استغلهن اجتماعياً واقتصادياً.
حسناً قد لاتكون هذه قرائن كافية ، إذاً ماذا عن ماقالته الكاتبة المسرحية الفرنسية (مارغريت دوراس) في مقابلة صحفية “يتحتم على الرجال أن يمارسوا فضيلة الصمت حتى يستمعوا إلى النساء، وهن يشرحن تفسيراتهن الخاصة للأحداث والمواقف ، وعليهم أيضاً أن يتوقفوا عن محاولاتهم لإحياء اللغة القديمة ، اعتماداً على وسائل التنظير التي عفا عليها الزمن، وهو ماتجلى في تفسيرهم لأحداث واضطرابات مايو ١٩٦٨ التي أثبتت أن وجهة نظرهم القديمة لم تتغير على الإطلاق”
لنأتي إلى مربط الفرس كما يقال ، إذا كانت الحركة النسوية نشأت على أساس مناهضة الرأسمالية من خلال تأييدها لأحداث مايو ١٩٦٨م ؛ حيث شاركت بها منذ قيامها ودعت بعدها إلى نظرة المساواة من منظور أن النساء خدمن في تلك الأحداث مثلما خدم الرجال، فماذا نصنع بها “حين تأتي الماركسيَّة و تخدم الحركة النسوية” بحسب تعبير الدكتور (نبيل راغب) وفي هذا تناقض بين مقاومة الرأسمالية من جهة عبر تبني الحركة النسوية، وبين استفادتهن من ذلك التيار أو الاتجاه الماركسي من جهة أخرى ؟!
إضافة إلى ذلك فإن الرأسمالية والشيوعية وجهان لعملة واحدة -وإن اختلفت أدوات التطبيق – فكلتاهما تعملان على استنزاف الإنسان اقتصادياً وهدمه اجتماعياً ، ومن زاوية أخرى كيف تتوافق الحركة النسوية التي وقفت عند ولادتها ضد الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي مع الحركة الاستهلاكية المعاصرة التي تقوم على تسليع كل شيء حتى الإنسان ، وهل المرأة إلا إنسان ، أليس الضدان لايجتمعان ؟!
من وجهة نظري النتيجة التي قد أخرج منها بعد تلك التأملات في الحركة النسوية هي أن المنتمية إلى هذه الحركة فكراً أو فعلاً قد لاتدرك أبعادها ، وقد تدركها وتتغافل عنها ، وقد تدركها وتهدف إلى نشرها .
بمعنى أكثر اختصاراً لاتخرج النسوية عن ثلاثة:
إما أن تكون على المجتمع ثائرة ، أو بعالم أفكارها حائرة أو في قيح الرذائل سائرة .
رسالتي لهن : قبل أن تتبني النسوية فكري بطريقة منطقية سوية ، حتى لاتكوني مجرد أداة بغيضة أو غاية لنفوس مريضة ، هذا رأي وليست وصاية ، ولكم الحكم بعد قراءة الحكاية ، والسلام.
_________________________________________
المحتوى أعلاه يتم نشره عبر حسابات المجلة ادناه تفضلوا بالمتابعة :
تويتر :
فيسبوك :
سناب شات :
https://www.snapchat.com/add/shababeksglob19
قناة شبابيك :
https://www.youtube.com/channel/UCZbfRIHzi1WyP3_7lHfc0ag
لمزيد من الأخبار المنوعة الدخول : http://www.shababeks.com